حسن البربري يكتب: ناقة الانتخابات البرلمانية وجملها في الربع الخالي من الديمقراطية
تلوح في الأفق “انتخابات برلمانية” جديدة في مصر، ويُعاد تحريك الرمال الثابتة في المشهد السياسي كمن ينفخ في قربة مقطوعة. ويبدو أن الناقة عادت إلى الربع الخالي… تبحث عن جملٍ يركبها نحو “الديمقراطية”، لكن الطريق مهجور، والركب ضلّ السبيل، والواحة صارت سرابًا.
المشهد العام – برلمان بلا سياسة
رغم اكتمال الشكل الديمقراطي من صناديق وانتخابات وقوائم، يفتقد البرلمان المصري منذ سنوات أي مضمون سياسي حقيقي. الأحزاب إمّا وُئدت أو سُيّرت، والمعارضة إما سُجنت أو نُفيت أو نُسيت. لذا تبدو الانتخابات القادمة كأنها مسرحية بلا جمهور، بلا حوار، تُعرض في مسرح مغلق الإضاءة والهواء. البرلمان أقصد الجمل ، ثقيل الظل، غير قادر على السير إلا بإشارة، أما الآلية الانتخابية أقصد الناقة ، تُحرَّك في صحراء خاوية من السياسة الحقيقية.
من يقود الناقة؟ – الأجهزة والمال السياسي
لم تعد الانتخابات شأنًا سياسيًا يُدار من داخل الأحزاب، بل أصبحت صناعة تُدار من خارج السياسة تمامًا، بأدوات المال السياسي، وأجهزة الدولة، وتحالفات رجال الأعمال. يتم اختيار “المرشحين” وفق الولاء، لا الكفاءة، ويُفصل لهم النجاح مسبقًا عبر قوائم مغلقة معدة سلفًا.
من هنا تظهر الناقة كمجرد وسيلة نقل لجمل متخم لا يعرف إلى أين يتجه، لكنه يتحرك لأن ذلك مطلوب منه.
الربع الخالي – موت السياسة والتمثيل
“الربع الخالي” لا اقصد به صحراء الجزيرة العربية، بل هو الحياة السياسية المصرية بعد الثورة. الأحزاب بلا قواعد، والنقابات مُروّضة، والحياة الطلابية ميتة، والمجتمع المدني محاصر. لا يوجد “طلب سياسي” حقيقي على برلمان يعبر عن الناس، لأن الناس نُزعت عنهم الفكرة أصلاً.
الانتخابات القادمة ليست منافسة بين رؤى، بل منافسة بين “من الذي طُلب منه أن يدخل”، ومن يملك “الظهير الأمني”، ومن يشتري مقعده.
الدستور… في إجازة طويلة
رغم أن الدستور المصري ينص على أن البرلمان يجب أن يعبر عن جميع فئات الشعب، ويُحاسب الحكومة، ويشرّع القوانين، إلا أن الواقع يحوّله إلى ختم إداري لتمرير القرارات. البرلمان الحالي (والقادم على الأغلب) أقرب إلى سكرتارية للسلطة التنفيذية، لا سلطة تشريعية مستقلة.
وهنا تكمن المفارقة: كيف يمكن لناقة انتخابية أن تلد “برلمانا” حقيقيا وهي لا تمشي إلا بأمرٍ من صاحب المزرعة؟
الإعلام – مرآة مشروخة
الإعلام المصري لا يعكس الانتخابات بل يروّج لها باعتبارها “ملحمة”، رغم أن الناس لا يشاركون فيها إلا مضطرين أو مكرَهين أو من خلال “توجيهات”. الصحف و القنوات التلفزيونية التي تتحدث عن “إقبال كثيف”، بينما الواقع في كثير من اللجان يُظهر العكس. الناقة تمشي لكن الجمهور لا يُصفق، ولا أحد يصدق الرواية الرسمية.
إلى أين تمضي الناقة؟
في ظل الانسداد السياسي، والغياب الكامل للمعارضة، وتفصيل القوانين على المقاس، تسير الناقة في دوائر مفرغة. لا برنامج انتخابي حقيقي، لا نقاش مجتمعي، ولا حتى حد أدنى من التنافس الجاد.
الانتخابات لم تعد طريقًا نحو الديمقراطية، بل أصبحت وسيلة لإعادة إنتاج نفس السلطة، بنفس الشكل، مع تعديلات شكلية لا تغير الجوهر.
الأمل في السياسة… لا في الناقة
الرهان لا ينبغي أن يكون على الناقة (أي الانتخابات الشكلية)، بل على عودة الحياة السياسية نفسها. عودة الأحزاب المستقلة، الحريات النقابية، الصحافة الحرة، والمجتمع المدني الفاعل. وحده هذا الطريق قد يخلق انتخابات حقيقية يومًا ما، يركب فيها الشعب الجمل، لا أن يُركب عليه.
ناقة تائهة في صحراء صامتة
الانتخابات البرلمانية القادمة ليست سوى “رحلة روتينية” في صحراء سياسية صامتة. قد تتحرك الناقة، وقد يظهر الجمل على الشاشات، لكن لا أحد يملك ماء الديمقراطية ليسقي هذا القطيع التائه.
هل هناك أمل؟ ربما… عندما تعود السياسة من منفاها، ويعود المواطن من حالة اللامبالاة، ويُسمح للبرلمان بأن يكون سلطة لا ديكورًا.