الخدمات النقابية: الحكومة تتجه لتغيير القانون لإنشاء اتحاد عمالي جديد.. وتحذر: لن يساهم في تطوير الحركة النقابية

محمد جودة

حذرت دار الخدمات النقابية من نية الحكومة لإنشاء اتحاد عمالي جديد بطريقة فوقية يتم تفصيل القوانين لها، مشيرة إلى أن ذلك لن يساهم في تطوير الحركة النقابية بل بالعكس تضع العراقيل للتطور ذاته.

وكشفت الدار في بيان اصدرته اليوم تحت عنوان “اتحادان وحرية نقابية غائبة” عن ورود أخبار ومعلومات عن إنشاء اتحاد عمالي جديد يتم تفصيل معاييره بحيث من خلال تعديل قانون المنظمات النقابية وتخفيض الأعداد المشترطة لتكوين المنظمات النقابية.. لتصيب بذلك “عصفورين بحجر واحد”، حيث يتم تقديم هذا التعديل باعتباره استجابة لملاحظات لجنة الخبراء بمنظمة العمل الدولية وتماشياً مع اتفاقيات العمل في شأن حرية العمل النقابي، بينما يتيح إمكانية تشكيل اتحاد جديد دون أن ينطوي ذلك على مخالفة صريحة للقانون.

وأضاف البيان أن الغالبية العظمى من عمال القطاع الخاص بلا نقابات- ليس لأنهم يحجمون عن الانضمام للنقابات، وإنما لأن تكوين النقابات المستقلة تصادفه الكثير من العقبات – ليس فقط رفض التسجيل- وإنما أيضاً الفصل من العمل كما حدث مع عمال يونيفرسال الذين فصلوا غداة تكوينهم النقابة رغم أنهم كانواً أيضاً ممثلي العمال في الاتفاقية الجماعية التي تم إبرامها بحضور وزارة العمل، وكما حدث مع عمال بيتونيل.

اتحادان نقابيان بينما يتعرض العمال الذين يمارسوا حقهم في الإضراب للتنكيل بهم، ووقفهم عن العمل وفصلهم مثلما يحدث مع عمال وبريات سمنود والشوربجي، بينما أكثر من خمسة عشر ألف من العاملين في المؤسسات الحكومية يتم فصلهم على خلفية القانون رقم 73 لسنة 2021 وتطبيقه الجائر.

وإلى نص البيان:

اتحادان.. وحرية نقابية غائبة

يبدو أننا أمام مشهد جديد تتشكل معالمه على الساحة النقابية العمالية فى دهاليز وزارة العمل والأجهزة الحكومية، حيث تتابع ورود الأخبار والمعلومات عن تكوين اتحاد نقابي جديد يوازي- أو بالأحرى يتكامل مع الاتحاد العام للنقابات “الحكومي” القائم حالياً.. ذلك أنه لا توجد مؤشرات- بل لا توجد نية حقيقية لأن يتمتع هذا الاتحاد الجديد المزمع تشكيله بالاستقلالية عن الأجهزة الحكومية أو يمارس الدور المفترض للمنظمات النقابية في التعبير عن العمال والدفاع عن حقوقهم وتبني مطالبهم.

ولما كانت المادة (12) من قانون المنظمات النقابية تنص على أن “يكون إنشاء الاتحاد النقابي العمالي من عدد لا يقل عن سبع نقابات عامة تضم في عضويتها مائة وخمسين ألف عامل على الأقل”.

وهي الاشتراطات التعجيزية التي تضمنها القانون –إبان إصداره- لتحول دون ممارسة الكثير من العمال حقهم في تكوين نقاباتهم واتحاداتهم، ولما كانت هذه الاشتراطات والأرقام قد تنافت مع خبرة نقابات عامة قائمة فعلياً حظيت بإقرار وزارة العمل وتم تسجيلها رغم أن عدد جميع العاملين في منشآتها لا يبلغ هذا الرقم مثل النقابة العامة للعاملين بهيئة النقل العام، والنقابة العامة للعاملين في المناجم والمحاجر التابعين للاتحاد العام لنقابات عمال مصر “الحكومي الحالي”، ولا يستطيع التعايش معها سوى تنظيم نقابي على غرار الاتحاد الحكومي التاريخي الذي دأب على ضم العاملين بالحكومة والقطاع العام أتوماتيكياً –وإكراه العاملين بالقطاع غير المنتظم –مثل السائقين- على سداد الاشتراك النقابي كشرط لحصولهم على رخصة القيادة.

ولما كانت هذه الأعداد المشترطة لتكوين الاتحادات النقابية تعترض المخطط الجديد لتغيير الصيغة القائمة للأوضاع النقابية بإضافة اتحاد جديد إلى الاتحاد الحكومي القديم، تتجه الحكومة (وزارة العمل) إلى تعديل قانون المنظمات النقابية وتخفيض الأعداد المشترطة لتكوين المنظمات النقابية.. لتصيب بذلك “عصفورين بحجر واحد”، حيث يتم تقديم هذا التعديل باعتباره استجابة لملاحظات لجنة الخبراء بمنظمة العمل الدولية وتماشياً مع اتفاقيات العمل في شأن حرية العمل النقابي، بينما يتيح إمكانية تشكيل اتحاد جديد دون أن ينطوي ذلك على مخالفة صريحة للقانون.

وواقع الحال أن عدداً من الاعتبارات تدفع الحكومة المصرية إلى تغيير الصيغة التاريخية للعمل النقابي والسماح بالتعددية التي طالما تم الهجوم عليها باعتبارها تفتيتاً للحرية النقابية وانصياعاً لأجندات خارجية.. إلى آخره.. ولعل أبرز هذه الاعتبارات هي الحاجة إلى الوفاء –أو ما يبدو وفاءً- بالوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها على امتداد سنوات –وعلى الأخص- في سياق مشروع “تعزيز علاقات العمل ومؤسساتها في مصر”، ومكونه الأول “تعزيز حقوق الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية”، وبين هذه الاعتبارات –أيضاً- عزلة الاتحاد “الحكومي القديم” الدولية، وعدم الاعتراف به من قبل الاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) لمخالفته معايير العمل الدولية ومواقفه الرافضة والمناوئة للحريات النقابية، وفرضه على العمال المصريين في صيغة لم يعد من الممكن استمرارها كما كانت.

لقد طالبت الحركة العمالية الديمقراطية وناضلت طويلاً من أجل تفكيك هذه الصيغة التي لازمتنا أكثر من نصف قرن بفرض تنظيم نقابي فوقي حكومي وحيد، وحرمان العمال من تكوين منظماتهم النقابية استقلالاً عنه، غير أن الطريقة التي يتم بها تفكيك هذه الصيغة وفقاً لمخطط فوقي معد سلفاً تثير المخاوف بما تشير إليه من إعادة إنتاجها على نحوٍ معدل.. بدلاً من اتحاد واحد اتحادان غير أنهما –كليهما- غير معبر عن الحركة العمالية الديمقراطية، غير قادر على تنظيم العمال المصريين، والتعبير عن مطالبهم، وقيادة تحركاتهم، وتمثيلهم في المفاوضة الجماعية بشأن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمهنية.. اتحادان نقابيان بينما الغالبية العظمى من عمال القطاع الخاص بلا نقابات- ليس لأنهم يحجمون عن الانضمام للنقابات، وإنما لأن تكوين النقابات المستقلة تصادفه الكثير من العقبات – ليس فقط رفض التسجيل- وإنما أيضاً الفصل من العمل كما حدث مع عمال يونيفرسال الذين فصلوا غداة تكوينهم النقابة رغم أنهم كانواً أيضاً ممثلي العمال في الاتفاقية الجماعية التي تم إبرامها بحضور وزارة العمل، وكما حدث مع عمال بيتونيل.

اتحادان نقابيان بينما يتعرض العمال الذين يمارسوا حقهم في الإضراب للتنكيل بهم، ووقفهم عن العمل وفصلهم مثلما يحدث مع عمال وبريات سمنود والشوربجي، بينما أكثر من خمسة عشر ألف من العاملين في المؤسسات الحكومية يتم فصلهم على خلفية القانون رقم 73 لسنة 2021 وتطبيقه الجائر، بينما الحد الأدنى للأجور الذي قرره المجلس القومي للأجور لا يُطبق على عمال القطاع الخاص في الغالبية العظمى من منشآته رغم مطالباتهم وتحركاتهم واحتجاجاتهم المتكررة.

نعم.. ناضلت الحركة العمالية الديمقراطية طويلاً من أجل تفكيك الصيغة التي تم فرضها لأكثر من نصف قرن ليس فقط من أجل الحق في التعددية.. حيث التعددية ليست هدفاً في ذاتها ، وإنما هي تجسيد للحرية النقابية، لحق العمال في تكوين نقاباتهم بحرية والاختيار بينها بحرية، لحقهم في وضع دساتير نقاباتهم ولوائحها، واختيار ممثليهم دون تدخل.

إن إعادة إنتاج صيغة الاتحاد النقابي الفوقي المُشكل من أعلى والذي يتم تفصيل القوانين والقرارات على مقاسه لن تساهم في تطوير الحركة النقابية، بل أنها على العكس تضع العراقيل أمام تطورها، ولعل ذلك ما نأمل أن تلتفت إليه الحركة النقابية الدولية والاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) الذي ظل على موقفه المبدئي عشرين عاماً رافضا انضمام الاتحاد العام لنقابات العمال “الحكومي” الذي لا يمتثل لمعايير العمل الدولية ويرفض مبادئ الحريات النقابية، ونظن ونرجو أن يظل يُعمِل بهذه المبادئ الجديرة بكل احترام في معالجته لصيغة الاتحادين.

دار الخدمات النقابية والعمالية

11 مايو 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *