آمال ممدوح تكتب: سرقة الدجوي تثير تساؤلات حول أرباح الجامعات الخرافية

لم أُفاجأ كثيرًا حين قرأت عن واقعة سرقة الثروة الضخمة من ملايين الجنيهات المصرية والعملات الأجنبية والذهب من منزل نوال الدجوي، مالكة مدارس خاصة وجامعة أكتوبر. فقد سبقتها واقعة مماثلة حين دفع صاحب جامعة الدلتا مبلغًا قدره نصف مليار جنيه للحكومة مقابل إعادة تثمين أراضٍ حصل عليها بثمن بخس في المنطقة الصناعية بمدينة جمصة.
نصف مليار جنيه دُفعت لتسوية قضية استيلاء على أراضي جامعة، في مشهد يختصر حجم الأرباح الخرافية التي تحققها الجامعات والمدارس الخاصة. لكن حادث سرقة خزانة نوال الدجوي أعاد فتح باب التساؤل حول طبيعة هذه الأرباح، وحجمها، ومدى التزام أصحاب هذه الكيانات بدفع الضرائب المستحقة عليهم.

منذ السبعينات، ومع تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي، ازداد عدد المدارس الخاصة بالتوازي مع تراجع الدولة عن بناء مدارس حكومية جديدة، تنفيذًا لتوصيات البنك الدولي. وقد دفع هذا التراجع الحكومة إلى تقسيم اليوم الدراسي إلى ثلاث فترات في كثير من المدارس، مما دفع الطبقة المتوسطة إلى الاتجاه نحو المدارس الخاصة الأقل كثافة.
كانت هذه المدارس في بداياتها ذات مساحات محدودة، أُقيم أغلبها على أراضٍ زراعية داخل المدن الكبرى والمراكز الريفية. إلا أن التسعينيات شهدت تحولًا نوعيًا، مع تصاعد ثروات طبقة رجال الأعمال المرتبطين بالحزب الحاكم، والذين سعت أسرهم لتوفير تعليم راقٍ لأبنائهم في بيئات تعليمية مترفة، تتضمن مساحات واسعة وحدائق وملاعب رياضية وإسطبلات خيول وحمامات سباحة.

وهكذا، ظهرت المدارس الدولية ومدارس اللغات ذات المساحات الشاسعة، بُني معظمها على أراضٍ صحراوية حصل عليها أصحابها من ضباط سابقين في الجيش والشرطة. على سبيل المثال، تمتلك بنات المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية الأسبق وجد وزير التعليم الحالي، سلسلة من المدارس الدولية. وهناك ضابط من أبطال حرب أكتوبر حصل على أراضٍ لإنشاء مدارس في العبور والتجمع الخامس وطريق الإسماعيلية الصحراوي والمنيا الجديدة.
تسابق رجال الجيش وأبناؤهم، ومعهم رجال أعمال وأساتذة جامعات، في الحصول على هذه الأراضي بأسعار رمزية، وعلى أقساط ميسرة. وبضمان تلك الأراضي حصلوا على قروض من البنوك لبناء مدارس باهظة المصروفات.

لاحقًا، دخلنا عصر الجامعات الخاصة، حيث أصر رجال الحزب الوطني على التوسع فيها، رغم معارضة رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور رفعت المحجوب، الذي دفع حياته ثمناً لموقفه الرافض لدخول القطاع الخاص إلى التعليم الجامعي.
أنشأ رجال الأعمال وأساتذة الجامعات جامعات خاصة في المدن الجديدة على أراضٍ صحراوية حصلوا عليها بأسعار زهيدة وبشروط ميسرة. بُنيت مباني فاخرة ومكيفة، دون إنشاء مستشفيات جامعية لتدريب طلاب الكليات الطبية. بعضهم استحوذ على مستشفيات حكومية مجانًا، كما حدث مع حسن راتب، مالك جامعة سيناء، الذي استولى على مستشفى العريش العام.

من هنا، تبرز الحاجة إلى فتح ملف الجامعات الخاصة في مصر، بدلاً من الانشغال بصراعات أسر ثرية على تقسيم الثروة.
فالجامعات الخاصة أُنشئت على أراضٍ بيعت بملاليم، ويجب إعادة تثمين تلك الأراضي وفقًا للقيمة السوقية الحالية. كما ينبغي فرض رقابة صارمة من وزارة التعليم العالي على هذه الجامعات، خاصة وأنها تقبل طلابًا بمجاميع تقل عن الحد الأدنى الذي يحدده المجلس الأعلى للجامعات للالتحاق بالكليات الحكومية.
الجامعات الخاصة لا تلتزم بالتنسيق المُعلن ما دام الطالب قادرًا على دفع مصروفات أعلى من المعدل، بل إن بعضها يستقبل طلابًا حاصلين على مجاميع ضعيفة جدًا، يسافرون عامًا واحدًا إلى جامعات غير معترف بها في دول مثل روسيا وتركيا والسودان والمجر والأردن ورومانيا، ثم يعودون للالتحاق بكليات طبية داخل الجامعات الخاصة في مصر بمصروفات أعلى من باقي الطلاب. كما تستقطب هذه الجامعات طلابًا من دول الخليج والدول العربية، ويدفعون مصروفاتهم بالدولار الأمريكي.

يبقى السؤال: هل يدفع ملاك هذه الجامعات ذات الأرباح الطائلة الضرائب المستحقة عليهم؟ الإجابة ليست مطمئنة، خصوصًا في ظل النظام الضريبي غير العادل الذي لا يفرض ضرائب تصاعدية على من يجنون أرباحًا هائلة من التعليم الجامعي.
لا بد من فرض ضرائب تصاعدية على من أصبحوا “تجار شهادات جامعية”، بدلاً من الاكتفاء بما يدفعونه من مبالغ محدودة لمصلحة الضرائب، أو تبرعات للجمعيات الخيرية وصناديق الدولة مثل “تحيا مصر” و”حياة كريمة”.

لك أن تتخيل، عزيزي القارئ، أن مالك مدرسة خاصة في محافظة الدقهلية يدفع إعانات شهرية للفقراء تبلغ مئة ألف جنيه، أي 1.2 مليون جنيه سنويًا، ويعتبرها زكاة ماله. ما يعني أن صافي أرباحه السنوية، بعد الضرائب والتبرعات، لا يقل عن 24 مليون جنيه من مدرسة واحدة فقط، وليست سلسلة مدارس أو جامعة خاصة.
يجب على الحكومة، بدلاً من الاستدانة المستمرة مع كل بداية شهر، أن تفرض ضرائب تصاعدية على ملاك المدارس والجامعات الخاصة، وأن تتوقف عن بيع ما تبقى من ثروات ومقدرات البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *