سيد صبحي يكتب: الظهير الشبابي للنظام

محاولات سيطرة هتلر خلال فترة حكمه لم تتوقف عند التحكم بمفاصل الدولة فحسب، بل امتدت إلى كل ألمانيا، حتى اضطر لمحاربة الدولة نفسها ليتغلب عليها ومجابهة العالم أجمع، وحينها يصرخ فى وجه الجميع ليقول أنا الزعيم، وكانت وسيلته لذلك هى السيطرة على حياة الشباب في ألمانيا.  

 ففي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانت حركات الشباب شائعة في ألمانيا وأراد هتلر استغلالها لذا قرر تدشين “حركة شباب هتلر” والتى بات مع مرور الوقت الانضمام لهذه الحركة إلزاميًا وكان من انشطة شباب الحركة هو حضور اجتماعات ومناسبات بشكل منتظم، والتوغل داخل كل الأنشطة السياسية والاجتماعية والدينية وحتى المدارس، فقد أصبحوا الظهير الشبابي للنظام. 

ومن المتعارف عليه أن الدول بمختلف أحجامها صغيرة كانت أو كبيرة تلجأ إلى الظهير الشبابي، والذى يأتى دوره الفعال والمهم فى التسويق لأنظمة هذه الدول وتجميل صورتها أمام الشعوب، ولعل هذا ما ألهم النظام المصري عندما لجأ معاونوه إلى ابتكار فكرة “تنسيقية شباب الاحزاب” لتكون لسانه أمام الشعب المصرى، وأيضا درعه فى وجه الغضب الشبابى إذا ما تزايد واتسعت رقعته وتجاوز حدوده المسموحة. 

سلخ شباب الحركات 

وكما أن هناك حركات شبابية تناهض محاولات الدولة النازية فى خلق ثقافة شبابية متجانسة من خلال حركات الشباب ودمجها فى حركة واحدة تابعة للحزب النازي، فقد رأى عدد من شباب الحركات السياسية المصرية والنشطاء السياسيين أن “تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين” هى مجرد ظهير شبابى للنظام المصرى ويجب مناهضتها ولا يصح أو يجوز انضمام المعارضين أو من وصفوا مسبقا كمعارضين لأفكار النظام لها. 

لذا سعى مدشنو الحركة التنسيقية إلى اختراق تلك التكتلات الشبابية والأحزاب المحسوبة على المعارضة رغم اختلاف أفكارهم وسلخ قياداتهم منها وتجريدهم من ايدولوجياتهم لمصلحة تيار فكري واحد بدون أيديولوجية ثابتة، خليط غير مفهوم تم اغراءه إما بالمناصب أو بعضوية البرلمان مثل طارق الخولى والذى انضم لـ “التنسيقية” بسبب عضويته في “حركة شباب 6 أبريل الجبهة الديمقراطية” في حين أن باقى أعضاء الحركة إما في السجون أو تم التنكيل بهم والتضيق عليهم لإجبارهم على ترك العمل العام ومن قاوم تم اغتياله سياسيا وتشويهه وأسرته ويقبع خلف الجدران منذ سنين أمثال علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وغيرهم معتقلى الرأى فى مصر. 

ومع رفض المجموعات الشبابية – صاحب الباع الكبير في النضال الشبابي المصرى- المشاركة في “التنسيقية” مثل حركة شباب “6 أبريل” و”الاشتراكيين الثوريين” وشباب من العدالة والحرية” وغيرها من الحركات والمجموعات الشبابية التى كانت وقود الثورة من البداية وتميل إلى كره الامتثال إلى أوامر النظام بشكل صارم من خلال التنسيقية، لذا لجأ النظام المصري إلى تدريب عدد من الشباب الذين لا يمتلكون أي خبرة سياسية وغير مؤدلجين وتم وضعهم فى أكاديميات تدريبية للتعرف على كافة علوم السياسة ليكملوا الشكل داخل التنسيقية غير مدركين أن السياسة بالممارسة وليست بالأكاديميات، والدليل الحاسم على ذلك أنه على الرغم من أن البرلمان المصرى يعد من أكثر البرلمانات في العالم شبابا حيث إن هناك 60 نائبا منتخبا تحت سن الـ 35 سنة، و125 نائبا تتراوح أعمارهم بين 36 إلى 45 عاما، ليصبح إجمالى عدد الشباب تحت قبة البرلمان 185 نائبا بنسبة 32.6% من إجمالى عدد النواب لتقترب من الثلث ورغم ذلك لا يرى فيه أى أثر حقيقى للتمثيل الشبابي في الحياة النيابية المصرية. 

المهم، كنت أمني النفس أن يتم اختيار الشباب السياسيين الفاعلين من الحركات الشبابية التي كانت وقود الثورة بالفعل إلى “الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب” التى صدر قرار جمهورى عام 2017 بإنشائها وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي وقتها أنه يطمح إلى أن تصبح المصدر الرئيسى لاختيار القيادات وكبار المسئولين فى الدولة، وتزويد الجهاز الإدارى باحتياجاته من الموارد البشرية، فكان لابد من تدريب وتمكين هؤلاء الشباب وتأهيلهم للعمل العام بغض النظر عن أيديولوجياتهم السياسية بدلا من جمع “وش القفص” من الحركات السياسية وإغرائهم بالمناصب لمحو أفكارهم السياسية والتحكم فى ألسنتهم وجعلها جميعا تنطق بما ينطق به النظام والتنكيل بباقي أعضاء الحركات وإبعادها عن المشهد السياسي كما حدث فى ألمانيا بعد تمكين حركة شباب هتلر من مفاصل الدولة والتنكيل بباقى الشباب السياسيين، لذا مع سقوط النظام النازى فى 10 أكتوبر 1945 تم حظر ” شباب هتلر” واعتبارها منظمة غير دستورية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *