حنان فكري تكتب: التفاصيل الغائبة في أزمة جاردينيا سيتي
في قلب طريق السويس، يقع مجمع “جاردينيا سيتي” السكني، حيث تتجلى مشكلة قانونية معقدة حول ملكية الأرض المواجهة لكنيسة الأمير تادرس، مما افرز نزاعا على الارض بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وصندوق إسكان أفراد القوات المسلحة، الذي يريد بناء مشروع ترفيهي على الارض!. بدأ هذا النزاع في مايو الماضي، حينما بدأت اعمال الحفر والإنشاءات في الارض التي تعد الامتداد الوحيد للكنيسة، والحل الأوحد لتوسيع هذه الكنيسة الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها 144 مترا- اي مساحة شقة سكنية متوسطة- ولا تتسع لأكثر من 250 شخص، داخل مجمع سكني يتعدى عدد مسيحييه ال 2200 أسرة، اى بمتوسط اعداد حوالي 9000 شخص، وحينها رفعت الكنيسة الأمر لمؤسسة الرئاسة التي اوقفت العمل في الارض لحين متابعة قانونية المستندات، لكن منذ ايام تكررت اعمال الحفر، وتكرر الوقف في اليوم التالي بعد اظهار الكنيسة لقرار التخصيص الصادر لصالحها، وتجددت الأزمة.
لكن الأمر يثير العديد من التساؤلات القانونية الواردة في قرار تخصيص الأرض وأحقية الملكية. فحينما تم تخصيص قطعة أرض في جاردينيا سيتي لصالح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لإنشاء مبنى خدمات كنسية، واستراحة لقداسة البابا تواضروس، بناءً على طلب تقدم به نيافة الأنبا إكليمندس، وافقت الأمانة العامة لوزارة الدفاع على هذا التخصيص في خطابها المؤرخ بتاريخ 16 يونيو 2021. جاء في الخطاب أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة قد وافقت على صلاحية الأرض لإنشاء المبنى المطلوب، وتم تحديد رسوم رمزية سنوية لحق الانتفاع. هي 250 جنيها للمتر المربع، لكن هناك عدة امور ملتبسة.
اولها ان قرار التخصيص ليس عقد تملك فالفروق الأساسية بينهما تكمن في حق الاستخدام، اذ يمنح التخصيص حق استخدام الأرض دون نقل ملكيتها. ويخضع التخصيص لشروط محددة لاستخدام الأرض ويمكن أن تكون لفترة محددة.، ويحتاج لإجراءات إدارية تصدر عن الجهات المسؤولة، اما عقد التملك فنطوي على نقل الملكية بشكل قانوني، ويمنح المالك الحق الكامل للتصرف في الأرض.، فضلا عن وجوب تسجيل العقد في السجلات العقارية لضمان حقوق الملكية.
وفي ظل تلك الفروق الجوهرية بين التخصيص والتملك، وبمراجعة الخطاب الرسمي الموجه من الأمانة العامة لوزارة الدفاع إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ فان الخطاب يشير إلى موافقة مبدئية على تخصيص الأرض بنظام حق الانتفاع. ومع ذلك، يتضمن الخطاب شرطًا يتطلب التصديق من وزارة الدفاع، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان التصديق قد تم أم لا..ايضا لم يحدد الخطاب تاريخ انتهاء التخصيص أو مدى الانتفاع، مما يترك الباب مفتوحًا لتفسيرات متعددة.
بناءً على ذلك فإن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لديها موافقة مبدئية على التخصيص، ولكنها ليست مالكة للأرض. في المقابل، صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة قد يكون له حقوق قانونية إذا لم يتم استيفاء شروط التصديق النهائي من وزارة الدفاع.
ولأن جاردينيا سيتي ليست قرية من قرى الصعيد التي تحدث فيها تلك الأزمات من آن لاخر، لذلك فإن حل النزاع لا يمكن ان يخضع لنفس الاليات والمعالجات التي تنتهي في تلك القرى دائما بالرضوخ للامر الواقع وغلبة الاستسلام لما بين السطور ولم تلتفت اليه الأطراف المتنازعة.
القانون هو الفيصل، فماذا يقول القانون، تخضع هذه المسائل لقانون دور العبادة الموحد، والذي يمنح الحق للطوائف المختلفة في بناء وترميم الكنائس. شريطة الالتزام بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون، والكنيسة اتبعت الاجراء القانوني المنصوص عليه، وقامت بالتقدم بطلب لتخصيص الأرضٍ. وتعتبر موافقة الأمانة العامة لوزارة الدفاع على التخصيص دليلاً على مشروعية موقف الكنيسة. فالطلب المقدم والتنسيق مع الجهات المختصة يعكس التزام الكنيسة بالقوانين واللوائح، حتى بعد مفاجأة بدء اعمال الحفر في المرتين الأولى في مايو الماضي والثانية في يوليو الجاري، كما لجأت الكنيسة لتقديم استغاثة لمؤسسة الرئاسة التي أوقفت الأعمال في المرتين، لكن رغم وقف أعمال الحفر والإنشاء تظل التساؤولات القانونية عالقة لأن التفاصيل غائبة.
لذلك يجب على الجهات المعنية تقديم إجابات واضحة حول الشروط والقيود ومدة الانتفاع بالأرض، لضمان تحقيق العدالة لجميع الأطراف، والتعامل مع النزاع بشفافية ووفقًا للإجراءات القانونية لضمان حقوق الجميع وتحقيق التوازن بين الاحتياجات المجتمعية، والمشاريع التنموية خاصة الترفيهي منها الذي يظل كماليا. بينما هناك حاجة ملحة في اتجاه آخر تم بناء توقعات مستقبلية عليها لفئة عددها حوالي تسعة آلاف مواطن قبطي يحتاجون لمكان مناسب يرفعون فيه صلواتهم ويتسع لإقامة شعائرهم الدينية.
حنان فكري