“العدالة الاجتماعية”: آلاف الإزالات وعمليات التهجير من أجل “ممشى أهل مصر” و”طريق الكباش”..لا تعيدوا طرق الاستعمار في التنمية
منصة العدالة: أكثر من 268 ألف حالة إزالة حتى أبريل 2020 في المحافظات التي يمر بها نهر النيل من أجل مشروع “ممشى أهل مصر”
من المتوقع أن تصل التكلفة الاجتماعية لمشروع “إحياء طريق الكباش” إلى إزالة 400 منزل.. ولم نعثر على معلومات حول عدد الحاصلين على تعويضات
من المهم عدم إعادة إنتاج طرق الاستعمار الجديد في التنمية التي تجني من خلالها فئة بعينها المكاسب من المشاريع بينما يُهمش الآخرين
كتب – أحمد سلامة
نشرت “منصة العدالة الاجتماعية” ورقة بحثية، تناولت خلالها أثر المشروعات الاقتصادية الكبرى على المواطنين والسكان المحليين خاصة في إطار ما يتم من عمليات تهجير بما يمثله من تكلفة اجتماعية في ظل غياب معلومات حول إدارة التعويضات للأهالي المتضررين، ضاربة في ذلك المثل بمشروعين هما “ممشى أهل مصر” و”إحياء طريق الكباش”.
وقالت الورقة البحثية لمنصة العدالة الاجتماعية “يركز الاتجاه الحالي على إعادة تطوير مناطق بعينها، باعتبار ذلك جزءًا أساسيًا من استراتيجية تنموية أوسع، تتم عبر إعادة تشكيل الفضاء الحضري. وداخل هذا الإطار يأتي التساؤل حول كيفية إشراك المواطنين المحليين في عمليات إعادة التشكيل هذه بدلًا من عزلهم عنها.. فمثلًا، يعتبر هدف تنمية السياحة، المحلية أو العالمية، أمرًا مهمًا لزيادة الإيرادات الاقتصادية. ومع ذلك، لا يمكن رؤية إعادة التشكيل الحضري بمعزل عن تكلفته الاجتماعية. ولا يجب أيضًا إعادة إنتاجه عبر صيغة ثانية من التراث الثقافي. ومن الضروري أن تهتم الجهود المبذولة من أجل إعادة تشكيل المشهد، بإعطاء أولوية للأحياء الشعبية التي تشكل جزءًا أساسيًا من إعادة التشكيل، بدلاً من وضع أهداف وطنية على حساب هذه الأحياء”.
وأضافت “وتبحث هذه الورقة في مشروعين من هذه المشاريع القومية الكبرى التي تركز على إحياء الحضارة المصرية، من خلال مصدرين من مصادرها الأساسية: نهر النيل والآثار المصرية القديمة. ويمكن اعتبار كل منهما أسلوبًا تعيد به الحكومة تنظيم الموارد الحالية لتعظيم استخدامها. وتستعرض هذه الورقة نمطين رئيسيين من تهجير المواطنين بسبب مشروعين قوميين كبيرين: أولهما مشروع (ممشى أهل مصر) الكبير، وهو مثال على إدارة الموارد المائية (نهر النيل)، والثاني مشروع (إحياء طريق الكباش)، ويعد مثالًا على إدارة الآثار التاريخية. وتسعى الورقة من خلال هذين النمطين إلى طرح تساؤلات حول العواقب الاجتماعية والمادية لهذه المشاريع الكبرى على السكان المحليين، وعما إذا كان التحسين المتوقع لهذه الأماكن يفوق هذه النتائج”.
وأشارت الورقة البحثية إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وقّع في أبريل 2015 على “وثيقة النيل”، وأعلن الانضمام إلى “لجنة حماية النيل”، وتهدف كل من الوثيقة واللجنة إلى حماية نهر النيل من أي تعديات أو تلوث، كما أعلن عن مشروع كبير تحت اسم “ممشى أهل مصر”.. مضيفة “ويستلزم المشروع إزالة كافة التعديات على النيل من أسوان إلى القاهرة، بما في ذلك فرعي رشيد ودمياط، وبناء كورنيش جديد.. وستعمل خطة الحكومة لإعادة بناء كورنيش نهر النيل لاحقًا، على فتح أماكن تجارية مثل مطاعم وكافتيريات وقاعات للمناسبات ومسارح مفتوحة على ضفاف نهر النيل.. ومن المتوقع أن تؤدي عمليات التطوير وإضفاء الطابع التجاري إلى زيادة القيمة الاقتصادية للمكان”.
وتابعت “وبدأ تنفيذ المشروع في أغسطس 2019، معتمدًا على الشراكة بين وزارة إدارة الموارد المائية والري ووزارة الإسكان والمكاتب المحلية للمحافظات والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتحدث وزير الري عن الاستفادة من الأراضي غير المستغلة على ضفاف نهر النيل لإنشاء مواقف للسيارات، سيُستفاد منها في إدارة حركة المرور، كما ستمثل أيضًا ضمانًا إضافيًا لزيادة الإيرادات السنوية للدولة.. وبدأ تجريب خطة المشروع في القاهرة الكبرى أولًا، من خلال تطوير المنطقة المقابلة لكوبري إمبابة من النيل حتى كوبري 15مايو، وذلك قبل تنفيذه بالكامل في باقي المحافظات التي يمر بها النيل”.
وأردفت “منصة العدالة الاجتماعية” في ورقتها البحثية، “وفي إطار حملة (حماية نهر النيل)، وصل إجمالي حالات الإزالة والإخلاء في المحافظات التي يمر بها نهر النيل إلى268,380 حالة حتى 3 أبريل2020، بحسب موقع وزارة الموارد المائية والري.. وفي مارس2020 فقط، بلغ عدد حالات الإزالات 1567حالة، كما كانت هناك موجات إضافية من عمليات الإزالة في أبريل2020 في مختلف المحافظات، حيث كانت هناك180حالة في الأسبوع الثالث من أبريل فقط. وتضمنت هذه الحالات 28 حالة في الغربية، و5 في
المنوفية، و30 في البحيرة، و7 في دمياط، و21 في المنيا، و19 في أسيوط، و31 في سوهاج، وواحدة في أسوان، و31حالة أخرى غير محدد موقعها بالضبط. وتشمل هذه الحالات المباني السكنية والردم وأقفاص الأسماك العائمة وغيرها”.
ولفتت إلى أنه “لم يتضح بعد من خطاب الحكومة، الشكل الذي سيكون عليه التعويض المتاح للمجتمعات المحلية (إن وجدت تعويضات). وهناك تركيز مكثف على المسائل المتعلقة بملكية الأرض، فإذا ما كانت الأرض “ملك للدولة”، سيكون وجود السكان فيها غير قانوني، بما يضفي في النهاية شرعية على عمليات التهجير.. ومع ذلك، فهناك تساؤل حول المكان الذي سيذهب إليه هؤلاء السكان المحليون. وهل يمكنهم تحمل مثل هذه الخطوة ماديًا؟ وهل هناك فرص سكن بديلة مقدمة لهم ومعلن عنها بوضوح؟ يجب ألا نركز فقط على استبدال منزل بآخر في مكان بعيد جغرافيًا منعزلا. لكن بدلًا من ذلك، يمكن تزويدهم بأراضي زراعية وموارد مياه لتستمر من خلالها سبل عيشهم واحتياجاتهم اليومية. فهل نعرف شيئا ً عن كيفية التعامل مع المُ هجرين؟ وما مدى استجابة الحكومة لهم أو نزاعها معهم؟”.
وتابعت “أما نمط التهجير الثاني، فهو متعلق بالآثار وبالأخص (إحياء طريق الكباش)، وقد شهدت الأقصر تاريخًا طويلًا من الاعتماد الشديد على قطاع السياحة، الذي يساهم بدوره في الاقتصاد الوطني. ومنذ 2012، مضت الحكومة في استكشاف الطرق المختلفة لإحياء السياحة، خاصة بعد تراجعها في أعقاب 2011، وفي نوفمبر 2019، أعلنت وزارة المالية أن جهود الحكومة في إنعاش السياحة قد أتت ثمارها، حيث زادت الإيرادات السياحة بنسبة28.2٪ في 2018/ 2019، وفي ضوء هذه الجهود الوطنية لإنعاش السياحة في محاولة لزيادة الدخل القومي، نشهد حاليًا تسويق واستثمار الأماكن الأثرية كأحد الأنماط الرئيسية في سياسة الحكومة”.
واستكملت “يمثل إجراء هذا المشروع جزءً ا من تنفيذ القرار الرئاسي رقم 201 لسنة 2018، الهادف إلى زيادة إيرادات السياحة العالمية، ويعكس هذا القرار مواصلة تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى الموظفة في جعل (طريق الكباش) وكأنه (متحفًا مفتوحًا)، الأمر الذي تسبب في أنماط من التهجير في الأقصر. فقد أزيل أكثر من130 منزلا حتى فبراير2020، حتى تتم أعمال حفر الطريق.
وبحسب الصحف، من المتوقع وصول التكلفة الاجتماعية للمشروع إلى إزالة 400 منزل”.
وأشارت الورقة البحثية إلى تصريح مصطفى ألهم، محافظ الأقصر، بأن التعويضات مقتصرة على من لديهم كافة المستندات المطلوبة والمستوفية لجميع الشروط والأحكام، مشددة بالقول على أنه “ومع ذلك، لم نعثر على معلومات متعلقة بعدد المواطنين الذين حصلوا على تعويضات، أو عروض حزم التعويض، أو مضمون هذه الشروط والأحكام التي تثبت الأهلية”.
واختتمت “منصة العدالة الاجتماعية” بالقول “من المهم عدم إعادة إنتاج طرق الاستعمار الجديد في التنمية، التي تجني من خلالها فئة بعينها المكاسب من المشاريع، بينما يُهمش الآخرين.. يحتاج التخطيط والممارسات الحضرية إلى دمج أفكارالرعاية، حيث يكون التضامن والعمل الجماعي جزءًا أساسيًأ من أي مستقبل يمكن للمرء أن يأمل في تخيله.. من المهم عدم الاعتماد على النماذج المقارنة التي تملي الصيغة التي يجب أن تكون عليها المدينة الحديثة”.
للاطلاع على الورقة البحثية اضغط هنا